أغبى صنفين من البشر!
أغبى من قرأت عنهم من البشر؛ صنفان أنعم الله عليهما، ورزقهما منه رزقًا حسنًا، فرفضا هذا الرزق، ورفسا نعمة الله تعالى، وطلبا أشياء تدخل في باب "الرمْرمة، وقلة الذوق" واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، ورغبا في بدائل هي أقل قيمة، وأوخم عاقبة، وأهون على ذي العقل البصير، والقلب المنير:الصنف الأول: بنو إسرائيل -عاملهم الله بما يستحقون– الذين أنـزل ربهم عليهم المنّ والسلوى، وهم في سنين التيه -رحمة بهم، وترقيقًا لأفئدتهم– قال لهم الله: قولوا حطة أغفر لكم ذنوبكم.. قولوا حطة -أي حطّ عنا ذنوبنا يا واحد يا أحد– فقالوا: حنطة، لا حِطة، وحرفوا الكلم عن مواضعه!
المن والسلوى
أنزل عليهم الرحمن الرحيم المنّ والسلوى فقالوا: لا يا رب، لا نريد منك منًّا ولا سلوى.. لا نريد رحمتك.. أكُلّ يوم منّ وسلوى؟! لا بد من التغيير.. لن نصبر على المنّ والسلوى وحدهما.. عايزين طعامًا مالحًا.. حريفًا.. حامضًا.. عايزين بصل.. توم.. فول مدمس.. عايزين عدس وكيمة و..! وبظلم من الذين هادوا، وبهذا التفكير الغبي ضُربت عليهم الذلة والمسكنة، وباءوا بغضب من الله.
وتكرر الموقف الكَنود والجَحود من الأغبياء اليهود المرة بعد المرة، وكانوا في الغباء مثالا، حتى جاء من يحاول مسابقتهم في البلاهة وقلة العقل، وكان المنافسون في هذه المرة من أجدادنا العرب النشامى في سبأ باليمن، الذين أنعم الله تعالى عليهم بالبساتين الغنّاء، والأشجار الباسقة، والأرض المعطاء، المكسوة ببساط سندسيّ أخضر من العشب الريان البهيج..
وكان المسافر من اليمن إلى الشام ينتقل من جمال إلى جمال، ومن خضرة إلى خضرة، ومن بستان إلى بستان.. لا ينقطع الجمال، ولا يغيض الخير..
ولم يصبر أجدادنا على الجَمال والألوان والنعيم ولم يصونوها، بل اشتهت بعض النفوس "الخايسة" منظر الصحراء والرمل، والشجر الشوكي القصير الذي لا يطعمه إلا الحيوانات ذوات المشافر المشقوقة من الإبل والمعيز... فلا ظل، ولا ثمر، ولا راحة للعين، ولا متعة كبيرة للنفس الشاعرة المتحضرة.. قال أجدادنا المتبطرون: يا رب.. مللنا النعمة.. سئمنا الخضرة.. عِفنا البساتين والحدائق، يا رب شوية كثبان رملية، على شوية خنافس وضباب، على مزيد من الحر والرطوبة، نوّع لنا يا رب.. مزيدًا من اللون الأصفر والشمس اللاهبة!!